يعني الاعلاء"التسامي" Sublimation ،اي العلو في التعامل الانساني مع الذات اولاً ومع الاخر ثانياً وهو يعني ايضاً احداث تغيير في النهاية التي يستهدفها احد الدوافع الغريزية بانواعها بحيث تصبح مقبولة اجتماعياً بعد ان قبلتها الذات وتآلفت معها واصبحت ذات قيمة،ويقول علماء التحليل النفسي ،يجب التمييز بادئ ذي بدء بين التسامي والكبت،ففي الكبت تستبعد الذات الدافع الغريزي عن الشعور استبعاداً تاماً مستعينة بحيلة او اكثر من حيل الدفاع،بينما في التسامي تتقبل الذات الدافع الغريزي ولكنه يحول طاقته من موضوعه الاصلي الى موضوع بديل ذي قيمة ثقافية واجتماعية.ومن امثلة الاعلاء والتسامي في السلوك هو اعلاء غريزة حب الاستطلاع بحيث تتوجه الى روح البحث العلمي او الابداع الفني او الحرفي او الوصول بصاحبها الى اعلى درجات المهارة الفنية في العمل او المهارة الاجتماعية في التعامل مع الناس،وبهذه الوسيلة او الحيلة الدفاعية يمكن ان تسحب العدوانية الفجة من نطاق الخصومات البشرية او تأجيج العدوان بين الناس اومع الذات،وهي وسيلة للتخلص من المشاعر المكبوتة داخلياً وتصعيدها بوسائل مقبولة اجتماعياً حتى تصبح الطاقة المهيئة للنفس القوة الفعالة في مواجهة المصاعب الحياتية او الابداع في العمل الخلاق.
يقول علماء النفس يمكن للتسامي ان يحول جزء لا يستهان به من الدافع الجنسي الى طاقة مقبولة اجتماعياً وابداعياً،بحيث تجلب الانشطة والفعاليات الخلاقة من اي نوع من الاعمال الانسانية بحيث تحقق اشباعاً كافياً للذات.
التسامي- الاعلاء عملية لاشعورية،عملية متدرجة يتم تحقيقها تدريجياً عن طريق التمسك بالمثل العليا ولكن يتم حدوث الاعلاء والتسامي في السلوك ازاء مواقف الحياة المختلفة ،ويجب ان يكون
هناك بعض التحكم الشعوري الواضح للدوافع الغريزية ولايمكن تحقيق ذلك إلا من خلال التعرف على
مقومات الغريزة،ويقول علماء النفس التحليلي هنا يكمن خطر الكبت.ويقول(د.علي كمال)في عملية التسامي يحول الفرد دوافعه ورغباته غير المقبولة الى مجالات مقبولة شخصياً واجتماعياً،وهي بهذا الشكل تعد من اكثر العمليات النفسية انتشاراً في الكون ويلجأ اليها معظم الناس بدون توجيه،لانها تتم لا شعورياً من وعيهم لتحقيق الرغبات الكامنة داخل الفرد،وخصوصاً التي لا يمكن تحقيقها بشكل طبيعي مقبول ومفيد،لذا فأن معظم النتاجات الرائعة في الادب والشعر والفن والرواية والقصة والرسم هي في الحقيقة مظهر من مظاهر الاعلاء والتسامي فيما يعتلج في داخل النفس من انفعالات غريزية،وجهت نحو العمل الخلاق والمفيد والنافع، ونلاحظ الاعلاء والسمو في السلوك الاجتماعي يظهر جلياً في سلوك المسالمة واللاعنف والتعقل في التعامل الاجتماعي،بينما نرى نقيض ذلك في السلوك العدواني الفردي والجمعي وتحريك غرائز العدوان نحو ايذاء الاخرين وممارسة العنف والقسوة.
ان التسامي – الاعلاء هي حيلة دفاعية،وهي نوع من انواع السلوك او التصرفات التي تهدف الى تخفيف حدة التوتر النفسي داخل النفس الانسانية وتكون عادة مؤلمة تسبب حالة من الضيق وتسبب الاحباط ان لم تجد المنفذ الملائم، واذا ما افلتت زمام الامور فسوف تتحول الى سلوك العنف والعدوان حتى وان كان عنفاً لفظياً يتمثل في الشتيمة والسب والنميمة والغيبة لدى البعض من الناس،اذن التسامي – الاعلاء يعيد التوافق الى النفس وينعكس هذا التوافق في التعامل مع البيئة الاجتماعية الخارجية فضلا عن ان الشخص الذي يستخدم هذه الحيلة الدفاعية يكون مقبولا لدى الناس بما يقدمه من انتاج واعمال فنية او ممارسات سلوكية.ويقول علماء النفس ان توقف الفنان او الاديب او الروائي او الشاعر عن الخلق الابداعي في العمل المنتج في مجال تخصصه قد يدفعه السلوك
المكبوت الى صراع داخلي مما ينذر ذلك بالمرض النفسي،وقد ادرك اطباء الامراض النفسية كما يقول د.علي كمال اهمية التسامي – الاعلاء كوسيلة لتبديد الصراعات الداخلية وتحويلها الى
مجالات مفيدة ومقبولة شخصياً واجتماعياً ،كما انها تمكن الفرد من الابقاء على هذه الصراعات مكبوتة وبعيدة عن الشعور.يقول (سيجموند فرويد)في كتابه ثلاث مقالات في نظرية الجنس،ان المنبهات القوية الصادرة عن المصادر الجنسية المختلفة تنصرف وتستخدم في ميادين اخرى بحيث تؤدي الميول التي كانت خطرة في البداية الى زيادة القدرات والنشاط النفسي زيادة ملحوظة،تلك احدى مصادر الانتاج الفني،وان تحليل شخصية الافراد ذوي المواهب الفنية ليدلنا على العلاقات المتغيرة القائمة بين الخلق الفني والانحراف والعصاب،بقدر ماكان التسامي كاملا او ناقصاً.. وهكذا فأن هذا الميكانزم الدفاعي الذي يستطيع ان يعيد التوافق والاتزان للنفس،بنفس الوقت يمنحها القوة في ادراك الذات الصحيحة وادراك الاخرين ادراكاً سوياً.